(تمت الترجمة من قبل ماهر علي محمود)
من نحن؟
الوثنية الجديدة هي عائلة من المسارات الروحية المتأصلة في الأديان المتوارثة من جميع أنحاء العالم و السابقة للتاريخ المسجل. كما أوضح الإتحاد الوثني، تشمل الوثنية الديانات الشركية العابدة للطبيعة، وغالبا ما تتضمن آلهة من كلا الجنسين، ممارسات تبجيل الأجداد، والاحتفالات المقدسة للطبيعة. مناقشة كامل أنواع الممارسات و الديانات الوثنية خارجة عن نطاق هذا البيان، ولكننا، نحن الموقعين، نرى قدسية الحياة و الطبيعة و نرى أن الفكر الوثني يساعدنا على العيش بتناغم و سلام مع إيقاعات أرضنا الحبيبة.
الطبيعة مقدسة
على الرغم من أن الفردية مع العالم الطبيعي متنوعة, نحن ندرك أن طبيعة تشمل البشرية، وأننا لسنا فوق الطبيعة أو منفصلين عنها. نحن ندرك الحكمة القديمة القائلة أن إحترام الطبيعة يجلب التقارب بين البشر وجميع الكائنات الحية, وأننا عندما نعيش كما لو أننا منفصلين عن الطبيعة، نقلل تعاطفنا لأنفسنا وللآخرين. ولذلك، فإننا نؤكد على ضرورة العيش بطريقة مستدامة كجزء من الطبيعة.
نحن جزء من شبكة الحياة
في العقود الأخيرة، أكدت العديد من التقاليد الدينية الوثنية المعاصرة على ترابط البشرية مع بقية العالم الطبيعي. فقد أكد العلم الحديث – و نظرتنا المتوسعة للكون الناتجة عنه – على ما آمن به أسلافنا القدماء من ترابط البشرية بالطبيعة و أهمية العيش بتمناغم معها. فالمحيط الحيوي للأرض يمكن أن يفهم على أنه نظام بيئي موحد و جميع مكوناته مترابطة و معتمدة على بعضها الآخر.
الذرات ذاتها التي نتتألف منها تربطنا بالكون. فقد أُنتج الهيدروجين في الانفجار الكبير، وكل الذرات الأخرى الضرورية للحياة شكلت في الأفران الحارقة للنجوم القديمة. فجزيئات الحياة تربطنا إلى الأرض، و بذلك نحن لا نعيش “على الأرض” كزوار من الفضاء، بل نحن جزء من الأرض، تماماً كالنهر أو البركان.
نحن الأرض، كذرات الكربون والنيتروجين والفوسفور التي تشكل أجسامنا في يوم، وتدمج في الجبال في اليوم المقبل. نحن الهواء الذي يعطي الغذاء للأشجار والحشائش في كل زفير، ويتنفس هديتهم من الأكسجين مع كل نفس جديد. نحن النار الحارقة للشمس، التي تقبضها و تقدمها لنا النباتات. نحن الماء، المحيطات التي تتدفق في عروقنا ونفس المياه التي غذت الديناصورات تتغلغل خلايانا.
نحن على صلة بعائلاتنا، من خلال وصلات من الحب، ثم الى أقاربنا، وهلم جرا إلى الجنس البشري بأكمله. شجرة عائلتنا تعود الى ظهور البشرية، و ظهور الثديات, و سائر جميع الحيوانات، و كل أشكال الحياة على الأرض. الحياة على الأرض ما هي الا عرس هذه العائلة العريقة.
نرى هذه الصلات بطريقة روحية. فهذه الخيوط الحاضنة لقلوبنا، تنسج طبيعتنا الأصلية المترابطة و الروحية. لذا فكجزء من جسد الحياة على الأرض, علينا الإهتمام بصحة جميع أعضاء هذا الجسد. لكن للأسف, العديد من أنشطتنا المعاصرة تدمر أجزاء من هذا الجسد، و بذلك من الواجب مجابهتها . فتدمير الغابات المطيرة لا يختلف عن قطع ساق أو ذراع. في الواقع, هذه الغابات أكثر أهمية لنا من ساق أو ذراع، فهي رئتينا! وبالمثل، علينا الإهتمام بمياهنا، أرضنا، هوائنا، وكل الشبكة الحيوية المتنوع. وذلك احتراما لأسلافنا، حفاظاً على جميع أشكال الحياة اليوم، وحباً للأجيال القادمة. كل ما يضر الحياة على الأرض، بما في ذلك الاحتباس الحراري والتلوث والانقراض يشكل قضية روحية-أخلاقية جدية.
نحن جزء من الأرض, و الأرض جزء منا.
كيف يتم إلحاق الضرر بنظامنا البيئي؟
العديد من الإجراءات البشرية تؤثر بشبكة الحياة هذه بشكل جذري، مما يهدد حياة العديد من الأنواع، من بينها الإنسان. هذا الضرر يأخذ أشكالا عديدة. فقدان الموائل الحياتية تواصل مع تزايد الاستهلاك و إزالة الغابات يدمر وحده نحو 150 ألف كيلو متر مربع سنويا، – أي مساحة اليابان – أو ما يعادل 24 ملعبا لكرة القدم في كل دقيقة!
وقد ساهم الاحتباس الحراري الناجم عن انبعاثات غازات الدفيئة إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، وتحمض المحيطات، وزيادة الفيضانات والجفاف، مع أثر أشد متوقع في هذا القرن. ويمكن رؤية أضرار إضافية من استنفاد طبقة الأوزون. كما أدت أعمالنا إلى استنزاف مستمر وغير مستدام للموارد، بما في ذلك المعادن ومصادر الغذاء والمياه الصالحة للاستخدام، و الى إنتاج كميات متزايدة من التلوث وغيرها من الأضرار. ومن المرجح أن نتعرف على أضرار أخرى مع المواصلة في التعرف على تأثير الأنشطة البشرية على عالمنا.
ما الممكن فعله؟
مع أن الأرض قادرة على شفاء نفسها، نحن بحاجة إلى التوقف عن الأذى كي يبدأ الشفاء. لكن هذا ليس بسيطا كما يبدو, فأنظمة الإقتصاد العالمي الحالية قائمة على التضخم و التوسع عبر هذا الإستهلاك الأعمى.
هناك بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها الآن. لكن من المهم لكل فرد ومجتمع ودولة أن يلعبوا أدوارهم أجل تحسين الوضع بشكل عام. فالحلول التقنية لا يمكنها التحرك إلى الأمام دون الإرادة السياسية، والإرادة السياسية اللازمة تتطلب تحولاً فعلياً في قيمنا من أساساتها. علينا تغيير مفهومنا لما يعنيه أن يكون الإنسان إنساناً، وكيفية ارتباط البشرية بالأرض و الكون. وأن نرى ذلك كواجب روحي.
إن التغيير يشكل تحدٍ جماعي، فالأعمال الفردية ضرورية لكنها غير كافية. يجب علينا أن نبني ثقافة الاستدامة الحقيقية. هذا لا يعني محاولة لايجاد سبل ل”إدامة” مستويات الاستهلاك الحالية أو محاولة “استدامة” النظم الاقتصادية والسياسية التي خذلتنا. فبناء ثقافة مستدامة حقيقية يعني تحويل أنظمة السيطرة والاستغلال التي تهدد مستقبلنا الى نظم شراكة تكافلية تدعم نظامنا البيئي. يجب أن نكون واضحين حول جدول أعمالنا، بما في ذلك تعزيز الاقتصادات المحلية المستدامة، وإصلاح النظم الغذائية لدينا، وتوزيع الموارد بطريقة أكثر عدلا وإنسانية، وتحديد عدد السكان لعدم تخطي القدرة الاستيعابية لكوكبنا من خلال تحديد النسل، و ضمان حق العمل و التعليم للمرأة.
أي نظام اقتصادي أو سياسي يشجع على استغلال الأرض والناس يجب تفكيكه أو إصلاحه بشكل جذري. وهذا يشمل أي نظام يقوم على نمو لانهائي. علينا العمل في نظام دائرة مغلقة، وليس في خط توسعي لانهائي. وهذا يعني الانتقال بعيدا عن ثقافة التنمية العشوائية، والتحرك نحو ثقافة التنمية المتجددة حيث تتمتع المنتجات بطول العمر وسهولة إعادة التدويرأو التصليح. الاقتصاد المستدام يجب أن يستند على توازن بين الإنتاج والاستهلاك وإعادة التدوير.
بالإضافة إلى ذلك، نحتاج الى تغيير أكثر عمقاً على صعيد روحي. فنحن بحاجة الى تعزيز علاقة جديدة بين الإنسان وغيره من الأنواع والأرض ككل. كوثنيين، نرى أنفسنا مستعدين للمساعدة في تصور وخلق عالم تعيش فيه البشرية بإنسجام أكبر مع الطبيعة. ونحن نسعى جاهدين في العبادة والعمل واللعب وحياتنا اليومية لتحقيق هذا الإنسجام. فالإعتراف بصلتنا كجزء من الأرض نفسها هي وجه من الوجوه الفريدة لمعتقداتنا. و هذا يمكننا على المساعدة في إصلاح بيئتنا عبر توعية الآخرين و تذكيرهم بعلاقتهم بهذا النظام الطبيعي، و عبر المشاركة بالطقوس والاحتفالات التي تعزز الروابط بيننا وبين بقية شبكة الحياة، وغرس الشعور بالمسؤولية نحو النظام البيئي – كل هذا لخلق ثقافات قادرة على الحفاظ على البشرية حاضراً و مستقبلاً.
كموقعين، نلتزم استخدام قدراتنا و مواردنا لتعزيز السياسات والممارسات التي تؤدي إلى التغييرات الطارئة التي يحتاجها عالمنا. و أن نستمر في تثقيف أفراد مجتمعنا لتعزيز طرق الحياة الذكية والمعيشة المستدامة ، ومساعدة العالم على الاعتراف بأن الجميع، سواء كانوا وثنيين أم لا، هم جزء من أرضنا الغالية. فنحن نرى أنه من المستحيل عيش حياة هنيئة الآن وفي الأجيال القادمة دون الحفاظ على سلامة أرضنا. ولذلك نحن نسعى كأفراد وجماعات، وكأعضاء في المجتمع العالمي لتعزيز سلامتها الحالية و المستقبلية، بما في ذلك الماء والهواء والأرض، وشبكة الحياة.
يوم الأرض 2015